اطلس- تحول مقص الرقيب العسكري الإسرائيلي والذي يفترض به أن يشكل أحد دعائم تمكين الجبهة الداخلية لدى الاحتلال إلى سيف مسلط على رقاب الإسرائيليين، بفعل الآثار العكسية التي بدأ يحدثها على الجبهة الداخلية في "إسرائيل"، مع التخبط في التعاطي مع الارتفاع الملحوظ في أعداد القتلى والإصابات في صفوف الاحتلال.
وللمرة الأولى في تاريخ "إسرائيل" تتحول الرقابة العسكرية إلى معول إرباك للمجتمع الإسرائيلي، وهو ما بدأ يثير المجتمع الإسرائيلي، وسط تساؤلات تطفو على السطح حول جدوى ذلك.
ومنذ بدء العملية البرية على قطاع غزة دخلت العلاقة بين الرقابة العسكرية وبين المجتمع الإسرائيلي مرحلة جديدة من عدم الثقة؛ إذ أصبح كثيرون يعتمدون على "الواتس أب" ومواقع التواصل الاجتماعي كوسائل غير رسمية يتم تهريب المعلومات وتسريبها من خلالها.
فقبل أن تسمح الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشر أسماء جنود الاحتلال القتلى في غزة، قام إسرائيليون منذ صباح الأحد بنشر أسماء الجنود، مما أربك الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبعض عائلات الجنود، وهذا ما يكون قد دفعه للاعتراف بهذا العدد الكبير (13) من القتلى مرة واحدة.
وما زاد الأمور إرباكاً في المجتمع الإسرائيلي نشر أسماء جنود من جيش الاحتلال لم يكونوا من الجنود القتلى. وهو ما دفع بالفضائيات الإسرائيلية والناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي لشن هجوم كبير على مسربي الأسماء، واعتبروا الأمر مضر بالأمن الإسرائيلي.
تسريبات للإعلام الأجنبي
وكذلك انتشرت ظاهرة قيام الصحفيين الإسرائيليين الذين يمتلكون معلومات من الميدان بنقل أخبارهم لوكالات الأنباء العربية والأجنبية، لعدم قدرتهم على نشرها مباشرة في وسائل الإعلام الإسرائيلية بسبب الرقابة العسكرية.
وتجد على سبيل المثال صحفيون إسرائيليون في هذه الأيام يسربون معلومات قتل الجنود للعربية والجزيرة، ووكالة الأنباء الفرنسية، وزاد الأمر حتى لوكالات أنباء وإذاعات فلسطينية محلية، قبل أن يزودوا بها وسائل الإعلام الإسرائيلية التي يعملون معها.
وتخرج أنباء قتل الجنود بهذه المحطات بساعات طويلة وأحيانا بأيام قبل نشرها في وسائل إعلام الاحتلال، رغم أن مصدرها صحفيون إسرائيليون لعدم وجود سيطرة للرقيب العسكري عليها وهو ما أضر بوسائل إعلام الاحتلال.
يتابعون أبو عبيدة
وباتت ظاهرة متابعة قناة الأقصى ومتابعة بيانات الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة على "يوتيوب" ظاهرة لدى المجتمع الإسرائيلي للحصول على المعلومات، وهو نمط جديد لم يعد معهودا من قبل.
ويسخر الكاتب الإسرائيلي عوزي بنزيمان بموقعه "العين السابعة" من استمرار وجود الرقابة العسكرية المتقادمة، في ظل ثورة معلوماتية هائلة تقدم كل المعطيات للإسرائيليين من خلال منتديات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الأجنبية.
ويضيف "كانت الرقابة العسكرية ستساهم في حماية ميزان المعنويات الوطني في "إسرائيل" بحجب معلومات وتحريرها بالتدريج وبعد تهيئة لو كانت المعلومات غير منتشرة عبر الإنترنت، أما اليوم فإننا نترك الساحة لبيانات كتائب القسام التي يتضح أنها صحيحة كما حصل بعدما قالت إن عناصرها يقاتلون داخل منطقة إسرائيلية بينما كان إعلامنا صامتا".
ويتفق معه الصحفي غدعون ليفي، ويشير إلى أن أحدا لا يستطيع حجب الحقائق عن الجمهور حاليا، لافتا إلى أن العالم والإسرائيليون يعرفون أحيانا أن حدثا كبيرا وقع خلال الاجتياح، لكن الصحفيين هنا يمنعون من النشر من قبل الرقابة التي لم تعد لها تبرير في معظم الحالات.
ما هو قسم الرقابة العسكرية؟
ويحظر القانون الإسرائيلي على وسائل الإعلام نشر وبث موادها قبل الحصول على إذن من سلطات الجيش ممثلة بمؤسسة الرقابة العسكرية التي تتبع شعبة الاستخبارات (أمان).
والمفارقة أن محرري الصحف هم الذين بادروا لاقتراح فرض رقابة عسكرية على ما تنشره صحفهم، وهو ما لم تقدم عليه أي صحافة في العالم. بل إن نقابة الصحفيين الصهاينة تطوعت عام 1948م بإنشاء مقر لضابط عسكري لكي يقوم بدور الرقيب على الإعلام.
وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بني غانتس أوعز قبل الحرب على غزة بعدة أشهر بدراسة خطة تهدف إلى فصل الرقابة العسكرية الإسرائيلية عن الجيش الإسرائيلي وتحويلها إلى هيئة مدنية تتبع لإحدى الوزارات الحكومية.
وكانت الوحدة تتبع طيلة 65 عاما للجيش الإسرائيلي. وظلت طيلة هذه المدة تعمل بموجب تعليمات ونظم وضعها كل من دافيد بن غوريون( أول رئيس حكومة في إسرائيل) وقائد الأركان الثاني للجيش الإسرائيلي يغئال يدين.
ويعمل في قسم الرقابة العسكرية عشرات المدنيين الموظفين في الجيش الإسرائيلي، إلى جانب جنود في الخدمة العسكرية الإلزامية، ويعملون على مدار الساعة ليس فقط لفحص ومراجعة ما ينشر في وسائل الإعلام العربية الفلسطينية في القدس المحتلة والضفة الغربية وأراضي 48 ، وإنما أيضا متابعة ما ينشر على مواقع الانترنت، وشبكة التواصل الاجتماعي.
وتتم متابعة عشرات الجنود الإسرائيليين الذين ينشرون صور لهم في مواقع خدمتهم العسكرية، ومتابعة من يكشفون عبر هذه الصور عن أسرار عسكرية أو أي معلومات تعتبر الرقابة العسكرية أنها قد تضر بأمن "إسرائيل" أو جنودها في الضفة الغربية والقدس المحتلة.