اطلس- أحياناً يخلط البعض بين ما هو رمزي وطقسي وذو صلة بالتقاليد وبين ما هو واقعي . فالكلام من عام رحل وآخر أعقبه، يوحي بأن الهزيع الأخير من الليلة الأخيرة من العام الذي مضى منقطع عن فجر اليوم الأول من العام الجديد .
والحقيقة أن هذا الفاصل ليس حقيقياً لكن تشطير الزمن إلى تقاويم فرض ذلك، لهذا علينا أن نتذكر بأن لحظة العناق بين عقربي الساعة في منتصف الليلة الأخيرة من عام 2014 هي لحظة عادية وليست فاصلة لأن الأضواء تطفأ ويتبادل الناس الأنخاب .
وما ينطبق على الأعوام ينطبق بالدرجة ذاتها على العقود والقرون، فالقرن الحادي والعشرون قد يكون بدأ قبل الإعلان عن بدئه، وبالمقابل قد يستمر القرن الذي سبقه ويقضم أعواماً من القرن الجديد .
كلنا مضطرون إجرائياً وتناغماً مع تقليد سائد إلى هذا الفصل، فالعام الذي بدأ يجر ذيلاً مبلولاً بالدم والدمع لم يكن عاماً يودَّع بأسى بقدر ما هو عام شهيد من الكوارث والمآسي الإنسانية ما يدفعنا إلى تعجل رحيله، هذا بالرغم من أن كل ما شهده ماكث في الذي يليه، لأن أسباب الشقاء لم ترحل معه، ولن ترحل أيضاً في المدى المنظور، لأن أبسط توصيف للمشهد في بعديه الإقليمي والدولي لا يدعو إلى التفاؤل، لكنه أيضاً لا يفرض علينا إغلاق الأبواب والتسليم بما يحدث كما لو أنه قضاء وقدر .
فالإنسان عبر تاريخه كله لم يكن مجرد منفعل أو مفعولاً به فقط، ولو كان كذلك لما استمر، فهو يحاور الشروط التي تحاصره منذ المهد إلى اللحد، سواء كانت بيئة قاسية أو نزاعات مع آخرين أو فقداناً للأمل .
في العام الذي يجر ذيله بتباطؤ اتسعت دائرة الانتقام، وحاول الإرهاب التمدد عبر استطالة مخالبه، لكن بالمقابل اتسعت رقعة مقاومته، واستطالت الأيدي التي تصده وتحاول تجفيف منابعه، وهذه هي جدلية التحدي والاستجابة، وبالتالي دفاعات الحياة عن نفسها وعن الأحياء ضد ثقافة الموت وفقه الظلمات.. إن عوامل تعميق اليأس ليست قليلة، لكن هذا لن يمنع الناس من تبادل عبارات الرجاء بعام قادم أفضل أو أقل شقاء .
لهذا فالمسألة أبعد من ثنائية التفاؤل والتشاؤم، ما دام هناك واقع محكوم بقوانين ووعي يحاول ترشيد الأحداث حتى لو كانت صادقة أو صاعقة في بعض الأحيان .
ولأن القادم من الأيام والأعوام حليف الضحايا والحقائق فإن الأجدر بنا رغم كل ما نشهد أن نواصل الرجاء لانتصار النهار.