اطلس- الاسلام دين رحمة لا دين ارهاب , فالله عز وجل رحمن رحيم , وقد قال في كتابه العزيز انه كتب على نفسه الرحمة : " كتب ربكم على نفسه الرحمة " ورحمته - سبحانه وتعالى - وسعت كل شيء , حيث يقول : " ورحمتي وسعت كل شيء
وكان رسولنا الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم رحمة اهداها ربنا – عز وجل – للبشرية جمعاء , حيث يقول سبحانه وتعالى :- " وما ارسلناك الا رحمة للعالمين " , كما ان رسولنا - صلى الله عليه وسلم - قال :" انا الرحمة المهداة " . والمسلم يبدأ كل عمل من اعماله بسم الله الرحمن الرحيم , فالله رحمن رحيم . والمسلم يعلم ان الرحمة خلق اسلامي اصيل , وهو مأمور بالرحمة في كل اعماله , وبالبعد عن القسوة وايذاء الاخرين .
ورحمة الاسلام لا تقتصر على المسلمين بعضهم ببعض , بل انها تشمل الانسان , بغض النظر عن جنسه ولونه ومذهبه وعقيدته . فالله - عز وجل - خلق البشر ليتعارفوا ويتعاونوا على البر والتقوى , لا ليتصارعوا ويقتلوا بعضهم بعضا , وكذلك ليتراحموا ويتآخوا , حيث يقول- عز وجل- : " يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم " .
والاسلام يحترم النفس الانسانية اعظم احترام ويحرم الاعتداء عليها الا بالحق , اذ يقول عز وجل : " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق " . وقد اعتبر القرآن الكريم ان قتل نفس بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا , حيث يقول عز وجل : " انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا " . فالاسلام صان النفس البشرية اكبر صيانة وشدد العقوبة على المعتدين عليها ودعا الى الاقتصاص منهم , يقول عز وجل : " ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب ".
وحتى في معاملة الاعداء فان الرسول دعا الى عدم التعرض للمسالمين منهم من الشيوخ والنساء والاطفال والنساك والزاهدين والمتعبدين , فأبو بكر الصديق رضي الله عنه حين ارسل الجيوش الاسلامية الى بلاد الشام والعراق امرهم الا يتعرضوا للشيوخ والنساء والاطفال والنساك في صوامعهم ومعابدهم , والا يقطعوا شجرة . وكذلك فعل الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما استلم من البطريرك صفرونيوس مفاتيح مدينة القدس , حيث كتب له العهدة العمرية , التي تؤمن النصارى على كنائسهم ومعابدهم واموالهم وممتلكاتهم وحرية عبادتهم , ورفض ان يصلي في كنيسة القيامة , حينما ادركته الصلاة وهو فيها لئلا يطالب بها المسلمون من بعده ويحولوها مسجدا , بل صلى في مكان مجاور لها وهو يعرف اليوم بمسجد عمر.
ورحمة الاسلام لم تقتصر على البشر بل تعدتها الى الحيوان , حيث يقول رسولنا الاكرم - صلى الله عليه وسلم - :" ان الله كتب الاحسان على كل شيء , اذا قتلتم فاحسنوا القتلة , واذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ," وليحد احدكم شفرته , وليرح ذبحته " , رواه مسلم . وبين -عليه السلام – ان امرأة دخلت في النار في هرة حبستها .
حيث ورد في صحيحي الامامين البخاري ومسلم قوله عليه السلام : " دخلت امرأة النار في هرة حبستها لم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الارض " وخشاش الارض هي حشراتها , ودخل الجنة رجل سقى كلبا يلهث من العطش , فقد ورد في الصحيحين ان النبي - صلى الله عليه وسلم – بينما رجل في الطريق اشتد عليه العطش , فوجد بئرا , فنزل فيها , فشرب ثم خرج , فاذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش , فقال الرجل : " لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني , فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب , فشكر الله له فغفر له , قالوا : " وان لنا في البهائم لأجرا , فقال : " في كل ذات كبد رطبة اجر " .
وهكذا يتضح من كل ما سبق ان الاسلام هو دين الرحمة , لا دين القتل وسفك الدماء وانتهاك الحرمات والاعتداء على الابرياء , فرسولنا الاكرم يقول : " من لا يرحم لا ُيرحم " ويقول " الراحمون يرحمهم الله " ويقول " ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء " ,لان الاسلام دين الرحمة دخل فيه الناس افواجا .
ولو كان دين قتل وسفك دماء واعتداء وانتهاك اعراض وايذاء المسالمين ما دخل فيه احد .
ومن هنا فان الاعمال الارهابية التي يقوم بها الارهابيون الذين يزعمون انهم يفعلون ذلك دفاعا عن الاسلام , انما هي مدانة اسلاميا والاسلام بريء منها براءة الذئب من دم يوسف - عليه السلام - . وهؤلاء يشوهون الاسلام اكبر تشويه ويسيئون اليه اعظم اساءة . وهم باعمالهم الارهابية انما يروجون لما يزعمه اعداء الاسلام من ان الاسلام دين قتل وسفك دماء , وانه انتشر بالسيف والقتل والاكراه , وهم في اعمالهم الارهابية هذه لا يفرقون بين انسان وانسان , ولا بين اتباع مذهب ومذهب , ولا بين اتباع طائفة وطائفة .
فهم في العراق وسوريا يقتلون من السنة والشيعة والمسيحيين والازيديين والصابئة, ومن المدنيين من النساء والاطفال والشيوخ .
وكانت الجريمة الكبرى التي اقترفوها في العاصمة الفرنسية باريس الاسبوع الماضي في الهجوم الارهابي على مجلة " شارلي ابيدو " الفرنسية وقتلوا عددا من محرريها ورساميها .
وكذلك اخرين بينهم مسلمون ويهود ومسيحيون , وهكذا يتبين ان الارهاب لا دين له , وهو عابر للحدود , ولا يقتصر على بلد دون بلد , وان ضحاياه في الاغلب من الابرياء وعابري السبيل الذين ليس لهم اي علاقة بمن يحاول الارهابيون الاعتداء عليهم .
وقد كان لهذا الاعتداء على المجلة الفرنسية صدى واسع في كل انحاء العالم , حيث شبه بالاعتداءات على برجي التجارة العالميين في نيويورك في الحادي عشر من ايلول عام 2001 .
وقد استنكر العالم كله هذه الجريمة الارهابية , واقيمت في باريس مظاهرة ضخمة شارك فيها اكثر من ثلاثة ملايين متظاهر ضد هذا العمل الارهابي, وكانت خطوة حميدة مشاركة زعماء شخصيا في هذه المظاهرة , وفي مقدمتهم الرئيس محمود عباس والعاهل الاردني الملك عبدالله الثاني وقرينته الملكة رانيا العبد الله , اضافة الى وزراء عرب اخرين .
ولقد لقيت مشاركة الرئيس عباس في هذه المظاهرة ترحيبا فرنسيا , حيث اكدت ان الشعب الفلسطيني وقيادته يرفضون كل العمليات الارهابية ضد المدنيين بغض النظر عن مرتكبيها وبغض النظر عن دوافعها . وكان الرئيس عباس قبل توجهه الى باريس للمشاركة في المظاهرة , اجرى اتصالا بالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند , حيث اخبره هاتفيا وقوف القيادة والشعب الفلسطيني الى جانب فرنسا الصديقة في مواجهة هذا الارهاب الذي لا دين له , وعبر الرئيس في الاتصال عن بالغ حزنه وأساه وألمه لما تعرضت له فرنسا الصديقة , بلد القيم والتعايش , من اعمال اجرامية وارهابية ذهب ضحيتها مواطنون فرنسيون ابرياء , واكد ان الاسلام بريء من هذه الاعمال الاجرامية .
ودان الرئيس في الاتصال الهاتفي كل عمل ارهابي يمس مواطنين ابرياء , لأن حياة الانسان أي انسان قدسها عز وجل . وقد شكر الرئيس الفرنسي الرئيس عباس على هذا الموقف وقال : هذا كلام مهم يسعدني ان اسمعه ويسمعه غيري , واضاف قائلا : انه من المهم للشعب الفرنسي في هذه اللحظات الصعبة ان تصل اليه مشاعركم ومشاعر الشعب الفلسطيني , وتابع الرئيس الفرنسي قائلا " ان تضامن الاصدقاء العرب مهم جدا لنا في هذه الظروف حتى نحول دون من يحاولون تأجيج المشاعر " وربط هذه الحوادث الاجرامية بالاسلام .
وفي ذات الاطار فان الملكة رانيا العبدالله قالت : ان الاسلام دين سلام وتسامح ورحمة وقالت على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي ان الاسلام مصدر طمأنينة وقوة لاكثر من 1,6 مليار مسلم هم ذاتهم مصدومون ويشعرون بالحزن والفزع لما حدث في باريس .
واضافت قائلة : " اليوم في باريس كنت مع جلالة الملك عبدالله الثاني للوقوف مع شعب فرنسا في ساعات حزنهم الاشد , للوقوف ضد التطرف بكل اشكاله , والوقوف من اجل ديننا الحنيف من اجل الاسلام .
ان الذين ارتكبوا جريمة باريس المروعة زاعمين انهم يريدون تأديب الصحيفة الفرنسية التي نشرت رسوما مسيئة للاسلام ورسوله الاكرم , انما اساءوا للاسلام , ولم يوقفوا المجلة , التي طبعت يوم الاربعاء الماضي ثلاثة ملايين نسخة بدلا من 60 الف نسخة كانت تطبعها , وهكذا احسنوا لهذه المجلة من حيث لا يدرون , وصدرت طبعتها الاخيرة ايضا برسم مسيء لرسولنا الاكرم – صلى الله عليه وسلم – ردا على ذلك الاعتداء .
ان الاسلام يدعونا الى المجادلة بالتي هي احسن , حيث يقول - سبحانه وتعالى :- ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن " . ومن هنا فان الامر الحسن فيما جرى ان زعماء فرنسا وكذلك مستشارة المانيا ميركل قالت : ان الارهاب ليس من الاسلام , ومن اجل ذلك فان اعمال الارهاب يستنكرها كل المسلمين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وانتماءاتهم .