اطلس- استطاع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من خلال خطوتين ذكيتين في اليومين الاخيرين من الحملة الانتخابية للكنيست العشرين
ن يقلب نتائج استطلاعات الرأي الاسرائيلية التي تنبأت بفوز المعسكر الصهيوني الذي يرأسه اسحاق هرتصوغ وتسيبي لفني بستة وعشرين مقعدا مقابل اثنين وعشرين مقعدا لحزب الليكود الذي يرأسه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو , حيث حصل الليكود على ثلاثين مقعدا , بينما حصل المعسكر الصهيوني على اربعة وعشرين مقعدا , والخطوتان هما تأكيده تراجعه وتنصله مما تحدث عنه في خطابه الذي القاه في الرابع عشر من حزيران من عام 2009 في مركز " بيغن – السادات " في جامعة بار ايلان , اما الخطوة الثانية فهي دعوته انصار اليمين واليمين المتطرف الى الاقبال بكثافة على الاقتراع , وذلك في يوم الانتخابات يوم الثلاثاء الماضي , حيث بث الذعر في نفوسهم , حينما ادعى ان الجماهير العربية تصوت بكثافة للقائمة العربية المشتركة وان هناك حافلات تنقل الناخبين العرب مجانا الى مراكز الاقتراع , وان هناك تمويلا من الخارج لمصلحة القائمة العربية المشتركة , وذلك سعيا لمنع رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو من الفوز في الانتخابات واعادة ترؤسه للحكومة الاسرائيلية , ما يعني فوز الحركة الصهيونية التي اتهمها بالضعف والخضوع للضغوط الفلسطينية والعربية والدولية من اجل تنازلات كبيرة في سبيل تحقيق السلام مع الشعب الفلسطيني .
ومن خلال هاتين الخطوتين استطاع تحقيق الانتصار الكبير مما يمكنه من اعادة تشكيل الحكومة الاسرائيلية من جديد بالتعاون مع الاحزاب اليمينية والدينية .
وكانت لاءات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الثلاث التي اعلنها في لقاء مع موقع " ان ار جي " سببا رئيسا في اقتراع فئات اليمين الى جانب حزب الليكود.
وهذه اللاءات الثلاث هي : لا لاقامة الدولة الفلسطينية ولا لتقسيم القدس ولا لوقف الاستيطان وتجميده . وهذه اللاءات الثلاث تعلن رسميا ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو هو لا يريد تحقيق السلام مع الشعب الفلسطيني , لأنه لا يمكن للقيادة الفلسطينية ومن ورائها شعبها الفلسطيني التخلي عن الثوابت الفلسطينية الاساسية كشرط لتحقيق السلام مع اسرائيل , وانهاء هذا الصراع المستمر منذ اكثر من ستة عقود .
ان الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة والمتواصلة جغرافيا في الاراضي الفلسطينية ما بعد عام 1967 هي مفتاح السلام والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط , وهناك اجماع فلسطيني وعربي واقليمي ودولي ان تطبيق رؤية حل الدولتين : اي دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام حقيقي عادل وشامل بين الفلسطينيين والاسرائيليين ومن ثم بين الدول العربية مجتمعة واسرائيل .
وهذا ما أكدته وتؤكده الادارات الاميركية , منذ ان طرح الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن رؤية حل الدولتين , وما تمسك به الرئيس اوباما منذ توليه رئاسة الادارة الاميركية.
كما ان دول الاتحاد الاوروبي واللجنة الرباعية لتحقيق السلام أكدت وتؤكد باستمرار ان دولة فلسطينية مستقلة هي مفتاح السلام وعنوان الامن والاستقرار في هذه المنطقة المضطربة من العالم . وقد أكدت هذه الحقيقة كل قرارات الشرعية الدولية وكذلك شرعة حقوق الانسان التي تنص على : ان من حق كل شعب من شعوب هذه الارض ان يحكم نفسه بنفسه وان تكون له دولته الخاصة به دون اي تدخل خارجي , وهذا ما أكدته مبادرة السلام العربية التي طرحتها قمة بيروت العربية في عام 2002 حيث دعت الى خروج اسرائيل من كافة الاراضي التي استولت عليها في حرب الخامس من حزيران عام 1967 واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مقابل تطبيع شامل مع كافة الدول العربية في كافة المجالات , بما في ذلك افتتاح سفارات لاسرائيل في العواصم العربية , وانهاء كل اشكال المقاطعة مع الدولة العبرية , ويؤكد ان العرب في كل قممهم التي تعقد بصورة دورية تمسكهم بمبادرتهم ويعلنون انها ما زالت على الطاولة .
والامر الصعب ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو بدلا من ان يخطو خطوات الى الامام لتحقيق السلام فانه تراجع مؤخرا خطوات كبيرة الى الخلف , حيث اعلن ان خطابه في جامعة بار ايلان من عام 2009 اصبح
لاغيا . وكان اعلن في ذلك الخطاب عقب فوزه برئاسة الوزارة الاسرائيلية ان يمد يده للسلام مع العرب وانه يقبل بدولة فلسطينية منزوعة السلاح , وانه كان وضع في ذلك الخطاب ايضا لاءات تنسف قبوله بقيام الدولة الفلسطينية , حيث اعلن في ذلك الخطاب انه لا لاعادة تقسيم القدس ولا لحق العودة ولا للاعتراف بالحقوق الفلسطينية , واشترط ايضا على الفلسطينيين قبول اسرائيل كدولة يهودية .
وقد أكد الرئيس محمود عباس دائما , وما زال يؤكد , ان الشعب الفلسطيني متمسك بحقوقه المشروعة باقامة دولته المستقلة , وانه لن يتنازل عن تلك الحقوق , وانه سيظل يناضل بالوسائل السلمية البعيدة عن العنف من اجل تحقيق تلك الحقوق , كما اعلن ان الدولة الفسطينية في حال قيامها لن تكون على حساب اسرائيل , ولن تكون تهديدا لاسرائيل كما يدعي رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو واليمين الاسرائيلي المتشدد. كما شدد الرئيس عباس على ان مطلب رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو الاعتراف بيهودية الدولة العبرية مرفوض تماما , ولا مجال لبحثه او مناقشته , لأنه يعني ببساطة حرمان اكثر من مليوني فلسطيني يعيشون داخل الخط الاخضرمن حقوقهم المشروعة , وحتى اخراجهم من حدود اسرائيل وضمهم الى السلطة الفلسطينية , كما يدعو وزير خارجية اسرائيل افيغدور ليبرمان الى ضم مدينة ام الفحم الى السلطة الفلسطينية , كما ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو في اصراره على الاستمرار في سياسة التوسع الاستيطاني , كما اعلن في كلمته يوم الاثنين الماضي في مستوطنة جبل ابوغنيم " هارحوما " ان ينسف عملية السلام من اساسها . حيث قال في تلك الكلمة انه سيواصل البناء في القدس , وسيضيف الالاف من الوحدات السكنية , وسيواجه كافة الضغوط الدولية المطالبة بوقف الاستيطان وتجميده , وتابع قائلا انه سيواصل ما اسماه تطوير عاصمتنا الابدية " في اشارة منه الى القدس .
والواقع ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو باعلانه الاستمرار في الاستيطان وتكثيفه , انما ينتهك كافة القوانين الدولية التي ترفض ضم اراضي الغير بالقوة , كما ترفض سياسة الامر الواقع , كما يتحدى المجتمع الدولي الذي يرفض جميعه الاستيطان ويعتبره غير شرعي , وحتى الولايات المتحدة , التي تعتبر الحليف الاستراتيجي الاول لاسرائيل تعتبر الاستيطان عقبة في طريق تحقيق السلام .
كما ان واشنطن ترفض الاعتراف بضم اسرائيل القدس الشرقية الى القدس الغربية واعتبارها " عاصمة ابدية موحدة " لاسرائيل رغم الضغوط الكبيرة من اعضاء مجلسي الشيوخ والكونغرس على الادارة الاميركية , ومن هذا المنطلق ومن ذات الموقف فانها ترفض نقل سفارتها من تل ابيب الى القدس .
ان انتصار الليكود في انتخابات الكنيست العشرين , تؤكد ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو سيرأس الحكومة الجديدة بالشراكة مع الاحزاب اليمنية انما يعلن دخول عملية السلام في موت سريري , وتوقف وتجميد كل الجهود لاعادة استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين , من اجل احداث اختراق في العملية المتوقفة منذ اكثر من عام جراء رفض رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو الوفاء بما التزمت به الحكومات الاسرائيلية السابقة تجاه عملية السلام , وجراء اتخاذه المفاوضات هدفا لكسب المزيد من الوقت لفرض وقائع جديدة على الارض , من خلال اقامة المزيد من المستوطنات وتوسيع المستوطنات القائمة , من خلال اضافة المزيد من الاراضي الفلسطينية المصادرة الى تلك المستوطنات .
والواقع ان المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة , يتحمل المسؤولية المباشرة عن ممارسات رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو ورفضه تحقيق السلام , والتمسك بلاءاته التي تجعل من ذلك السلام سرابا ووهما . حيث ان تلك الدول وخاصة واشنطن لم تضطلع بمسؤولياتها تجاه عملية السلام وتجاه السلام الدولي , حيث لم تمارس الضغوط الكافية على رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو من اجل جعله يفي بالتزامات اسرائيل تجاه عملية السلام .
ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو بقضائه على رؤية حل الدولتين واصراره على الاستيطان , انما يعمل , عن قصد او غير قصد الى جعل اسرائيل دولة ثنائية القومية , سيصبح فيها الفلسطينيون خلال اعوام قليلة اكثرية , وقد حذر كثير من الساسة ورجال الامن الاسرائيليين السابقين من ذلك , وحذروا من ان اسرائيل ستصبح كما كانت جنوب افريقيا .
ومع لاءات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الرافضة للسلام , فان الشعب الفلسطيني سيواصل مسيرته وكفاحه من اجل نيل حقوقه المشروعة , من خلال اساليب النضال السلمية المشروعة التي تقرها الامم المتحدة , وستظل القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس تسعى عربيا ودوليا لاقامة الدولة الفلسطينية , وقد حققت الكثير في سبيل ذلك حيث اعترفت اكثر من مئة وثلاثين دولة بدولة فلسطين , وسيبقى السلام هدفا لكل ابناء الشعب الفلسطيني , والله الموفق .