اطلس- تعتبر هيئة "ادارة الغذاء والدواء الامريكية "، من اكثر الهيئات قوة وسلطة، ليس على صعيد الولايات المتحدة الامريكية فقط، ولكن على صعيد العالم، ولا يمكن لأي منتج دوائي او غذائي، ان يمر وان يجد طريقه الى السوق ومن ثم الى المستهلك، الامريكي او العالمي
قبل ان يمر بإجراءات طويلة ومريرة ومعقدة ومكلفة، وان يجتاز العديد من التجارب والفحوصات، قبل ان يصل، وحتى بعد ان يصل الى السوق، وانا شخصيا لمست او عايشت هذه الاجراءات والمراجعات، وتعاملت مع «ادارة الغذاء والدواء الامريكية»، خلال عملي ولسنوات في الصناعة الدوائية في امريكا، من اجل اكتشاف وتسجيل ومن ثم تسويق ادوية جديدة، او من اجل تطوير ادوية متداولة.
ومن المعروف ان رئيس او مفوض الهيئة، يتم ترشيحه من قبل الرئيس الامريكي مباشرة، ولكن يحتاج الى موافقة «الكونغرس الامريكي» لكي يباشر عمله، وبالتالي فإنه يحظى بالسلطة والقوة والاحترام، في الشارع الامريكي وعند المواطن او عند المستهلك الامريكي، سواء من خلال ما يتعلق بفعالية وامان الادوية وبأنواعها، او من خلال ما يتعلق بسلامة وعدم فساد منتجات غذائية وبأنواعها الكثيرة.
وحسب منظمة الصحة العالمية، فان حوالي 2 مليون شخص يموتون سنويا، بسبب الاغذية الملوثة او الفاسدة، والتي تشمل الماء والغذاء، ومنهم حوالي مليون ونصف المليون من الاطفال الذين يموتون بسبب امراض الاسهال، الناتجة في غالبيتها عن الطعام الملوث، وحسب المنظمة فإن الاطعمة الفاسدة هي المسبب الرئيسي لحوالي 200 نوع من الامراض المختلفة، سواء بسبب البكتيريا، الفيروسات، الطفيليات، اوبسبب تلوثها بالمواد الكيميائية والاشعاعية، حيث يمكن ان يحدث التلوث في المزرعة، او خلال السلسلة التي من خلالها يصل الطعام الى المائدة ومن ثم الى الانسان، والطعام الملوث كيميائيا، يمكن ان يؤدي الى امراض مزمنة او الى تداعيات صحية بعيدة المدى، مثل امراض السرطان، والتغيرات العصبية والخلقية، وان الاستخدام المكثف للادوية البيطرية قد ادى الى تكون سلاسل من البكتيريا، تقاوم اشد انواع المضادات الحيوية فعالية، وما لذلك من عواقب صحية وخيمه.
وكان قد صادف في السابع من نيسان من هذا العام، " يوم الصحة العالمي"، حيث يتم الاحتفال به كل عام بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس منظمة الصحة العالمية ،وقد بدأ الاحتفال بهذا اليوم في عام 1950، ويتم التركيز في كل عام على موضوع صحي محدد، وفي عام 2015، اختارت منظمة الصحة العالمية الاحتفال تحت شعار" سلامة الطعام. «انواعة..من المزرعة الى المائدة».
وبدون شك ان اهمية هذا الموضوع تتجلى بوضوح في بلادنا، حيث لا يكاد يمر يوم والا نسمع عن اكتشاف او عن ضبط ومصادرة واتلاف اطعمة ومنتجات فاسدة وبأنواعها، وهذه الدوامة اصبحت مكررة ومملة، وتحتاج الى تدخل نوعي، يهدف الى ايجاد حلول جذرية لموضوع الاطعمة الفاسدة او غير الصالحة في بلادنا، ومنها تشكيل هيئة تمثيلية وموضوعية وعلى اساس علمي، كمرجعية او كاطار موحد، يعمل من اجل الحفاظ على سلامة الغذاء والدواء في بلادنا.
وفي بلادنا، فإن الطعام الملوث كيميائيا، قد يصل الينا من خلال مسارات عديدة، سواء من خلال الغذاء الذي نستهلك، او عن طريق المياه التي نشرب، وعلى سبيل المثال، يمكن ان نتعرض لكميات قليلة من المبيدات الكيميائية في منتجات غذائية او في المياه، هذا بالاضافة الى الازدياد في اتباع انماط غذائية غير صحية، من حيث استهلاك المواد المصنعة او المجمدة وما تحويه من مضافات كيميائية، او الاطعمة السريعة، والتي تعتبر مؤشرات مقلقة للاصابة بامراض غير سارية او مزمنة.
وفي بلادنا، ورغم الجهود والخطوات التي قامت وتقوم بها، الجهات الرسمية وغير الرسمية للتعامل مع ظاهرة الاطعمة الفاسدة، وبالتحديد في ظروفنا او في واقعنا الخاص، الا ان هذا الموضوع، ما زال يثير القلق والارباك والحيرة، عند المواطن الفلسطيني، وبالاخص انه يدرك ان ما يتم اكتشافه او ما يتم الاعلان عن ضبطه واتلافه، لا يمثل الا الجزء البسيط، من تلك المواد الموجودة في السوق، والذي وبدون شك، جزء لا بأس به، يصل الى المائدة، ومن ثم الى ايادي وبطون المستهلك، وما لذلك من اثار وتداعيات، ان لم نلمسها الان، فإنه قد يكون لها انعكاسات بعيدة المدى.
وفي بلادنا، وفي ظل مواصلة ضبط ومصادرة مواد فاسدة متعددة، فالمطلوب كذلك هو اجراء عملية تقييم لعمل الجهات العاملة في هذا المجال، وهذا امر روتيني عادي تقوم به جهات كثيرة وذلك لتقييم عملها ولتبيان النقاط الايجابية ومن ثم تدعيمها، وكذلك لتبيان السلبيات ومن ثم العمل على تجاوزها، وحتى تتم عملية التقييم، ومن اجل طمأنة المستهلك، فالمطلوب من الجهات الرسمية وغير الرسمية المهتمة بسلامة الغذاء والدواء ولمنع وصول المواد الفاسدة للناس، وضع برنامج منظم ومتكامل من اجل سحب عينات عشوائية، سواء اكانت من الخضار او من الفواكه، او من الدواء، او حتى من الخبز والكعك، والحليب ومشتقاته، واجراء الفحوصات الروتينية لهذه العينات، في مختبرات تم اعتمادها، وتم التأكد ومن خلال مختصين بجاهزيتها، سواء طاقمها او اجهزتها، والاهم كذلك نشر نتائج الفحوصات من خلال الاعلام، لكي تصل الى المستهلك.
وبالاضافة الى الاطعمة غير الصالحة، فان موضوع سلامة الادوية يضاهي بالاهمية موضوع الاطعمة الفاسدة، حيث تتحدث الاخبار، بين الفينة والاخرى، عن وجود ادوية غير فعالة او مهربة او منتهية الصلاحية في السوق الفلسطينية، ، وعن وجود مستحضرات تجميل مهربة او غير مسجلة، وبالتالي غير خاضعة للتفتيش والفحوصات، وما لهذه الانباء من تبعات ومن اهمها حالات القلق والارباك وعدم الوضوح عند المواطن الفلسطيني، وكذلك الاثار الصحية والبيئية والاقتصادية المترتبة على ذلك، وهذا يؤكد على اهمية وجود هيئة مستقلة تملك الامكانيات من كفاءات بشرية ومختبرات وبرامج عمل لحماية المواطن الفلسطيني من الادوية والمستحضرات الاخرى والمتداولة في السوق الفلسطينية، والتي قد تكون في احيان عدة خطيرة.
وفي ظل واقع وجود جهات عديدة لدينا، سواء أكانت رسمية او غير رسمية، تعمل او تتدخل في مجال سلامة الطعام والدواء في بلادنا، والذي قد يؤدي في احيان عديدة الى تضارب او الى غياب التنسيق بين هذه الجهات، او حتى الى مبادلة الاتهامات وتحميل المسؤولية حين يكون هناك اشكال او مشكلة، لذا فأنه من الاحرى المبادرة من اجل انشاء جسم واحد يضم كافة الجهات العاملة في مواضيع سلامة الطعام والدواء، تعمل على تحديد الاولويات وتوفير الامكانيات تحت مظلة واحدة، وتكون العنوان الاوحد الذي يلجأ اليه المستهلك والمسؤول والمختص.