اطلس- زياد ابو زياد
في لقائه الأسبوع الماضي مع فدريكه مورغيني وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي ، أعرب بنيامين نتنياهو عن استعداده لإجراء مفاوضات مع الجانب الفلسطيني حول حدود الكتل الإستيطانية! وطالب دول الاتحاد الأوروبي بدعم البناء الإسرائيلي
في الكتل الاستيطانية بحجة أن إسرائيل سوف لا تنسحب من هذه الكتل معتمدا على المبدأ الذي ظلت إسرائيل تحاول تكريسه منذ مفاوضات كامب ديفيد وطابا عام 2000 و 2001 والذي قبل فيه الجانب الفلسطيني مبدأ تبادل الأراضي معتقدا ً أنه بذلك يُنقذ المفاوضات من التعثر ومتوهما ًبأن مطالبته بأن يكون تبادل الأراضي بنفس القدر والقيمة ستُلبى وتُحترم ، وفاته أن يُدرك بأن الدرس الذي كان يجب أن يتعلمه منذ الأيام الأولى للصراع الاسرائيلي الفلسطيني بما في ذلك كل فرص التفاوض في الماضي ، هو أن إسرائيل تلتقط دائما أي عرض فيه تنازل لصالحها ، وتتنكر وتتجاهل أي مطلب للطرف الفلسطيني أو العربي لقاء ذلك التنازل.
وقد أدى هذا المنهج إلى أن نكون نحن الطرف الذي يُقدم التنازلات دائما وباستمرار وأن إسرائيل لم تُقدم شيئا.
وفي الواقع فإن إعلان نتنياهو عن استعداده للتفاوض بشأن حدود الكتل الإستيطانية يعني أول ما يعني تكريس مبدأ أن الكتل الإستيطانية شرعية وباقية لا جدال ولا خلاف بشأنها ، وأن المسألة تقتصر على ترسيم حدودها ، كما يعني ثانيا ، بأن المفوضات لا تدور بشأن ترسيم حدود الدولة الفلسطينية لأن إسرائيل لا تقبل ولا تعترف بأن ما سيتبقى من أراضي الضفة الغربية بعد تثبيت حدود الكتل الإستيطانية سيكون دولة فلسطين وإنما لديها رؤيتها وفهمها المعين لمستقبل تلك الأراضي وهو بقاؤها تحت الهيمنة والسيطرة الاسرائيلية تحت ذرائع الأمن تمهيدا لابتلاعها في المستقبل. وبالتالي فإن الهدف هو تثبيت وشرعنة ضم مساحات جديدة من الأراضي الفلسطينية لإسرائيل بدون مقابل.
والذي يتابع الإجراءات الإسرائيلية على الأرض والتصريحات والتلميحات الإسرائيلية يفهم جيدا توجهات السياسة الإسرائيلية تحت مظلة الدعم العسكري والأمني والإقتصادي الأمريكي ، والتطورات الإقليمية التي تصب كلها في صالح السياسة التوسعية الإسرائيلية.
لقد نجحت إسرائيل وبشكل باهر في توظيف الملف النووي الإيراني لصالح تعزيز التفوق العسكري الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط والحصول على أسخى الهبات التنكنولوجية العسكرية الأمريكية التي أكدتها الادارة الأمريكية وعلى أعلى مستوى وصولا إلى الرئيس أوباما الذي لم يدخر فرصة للتأكيد بأن أمريكا ملتزمة وبشكل قاطع وحازم بضمان استمرار التفوق التكنولوجي العسكري الاسرائيلي ليس من خلال تزويد إسرائيل بأحدث ما توصلت إليه الصناعات العسكرية الأمريكية من التكنولوجيا العسكرية والأسلحة بما في ذلك الطائرات المقاتلة ومنظومات الصواريخ ووسائل إطلاقها واعتراض الصواريخ المعادية وشبكات الرادار والحماية الجوية ، إضافة إلى تطوير الأسطول البحري الذي تم تزويده مؤخرا بأحدث الغواصات البحرية الألمانية.
وقد نجحت إسرائيل في ابتزاز الادارة الأمريكية واللعب في الملعب الداخلي الأمريكي واستخدام أنصارها الجمهوريين الذين يملكون الأغلبية في الكونغرس الأمريكي كأداة للضغط على الرئيس أوباما والتهديد بإفشال الاتفاق الذي يجري العمل على إنجازه من خلال المفاوضات بين أعضاء مجلس الأمن الخمسة وألمانيا من جهة وإيران من جهة أخرى بشأن الملف النووي الايراني للحصول على المزيد من الدعم المالي والعسكري والسياسي الأمريكي لإسرائيل لدرجة أن بعض المصادر ذكرت مؤخرا بأن الادارة الأمريكية عقدت صفقة مع إسرائيل بالتعهد الأمريكي بالاستمرار باستخدام الفيتو في مجلس الأمن لصالح إسرائيل مقابل امتناع إسرائيل عن عرقلة الإتفاق النووي في الكونغرس بواسطة أنصارها هناك.. أي بعبارة أخرى أن إسرائيل تملك قرار الكونغرس وتفاوض أوباما الديمقراطي على ذلك القرار.
ولم يقتصر نجاح إسرائيل بشأن الملف النووي الايراني على استخدام ذلك الملف ليكون رافعة لتعزيز وتطوير تفوق قدراتها العسكرية في المنطقة ، وإنما نجحت أيضا في استخدام هذا الملف فزاعة أمام عدد من الأنظمة العربية في المنطقة وخاصة تلك التي وقعت تحت هاجس التهديد " الشيعي " وباتت ترى في إيران تهديدا لأمنها القومي وفي إسرائيل حليفا ً يقف إلى جانبها ضد إيران لدرجة أن أصبحت اللقاءات بين قادة الأجهزة الأمنية في تلك الدول وقادة الأجهزة الأمنية الاسرائيلية أمرا طبيعيا لا يثير الاستغراب.
وتقوم الرؤية الاسرائيلية اليوم لمستقبل الصراع في المنطقة على محورين، الأول هو استغلال الانقسام الفلسطيني وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة وإطلاق صواريخ من غزة باتجاه إسرائيل والادعاء بأن أي إنسحاب إسرائيلي مستقبلي من الضفة سيحولها هي الأخرى قاعدة لشن الهجمات وإطلاق الصواريخ على إسرائيل كما حدث في غزة ، وبالتالي فإن على العالم أن يفهم ويدرك بأن رفض إسرائيل التخلي عن الضفة هو فقط لضمان أمن وسلامة سكان إسرائيل، والثاني هو استغلال الحروب والصراعات الداخلية في دول المنطقة بالادعاء بأن التنظيمات الاسلامية سواء تنظيم الدولة أو النصرة أو القاعدة هي التي تشكل تهديدا ً للدول العربية التي هي اليوم بحاجة للدعم العسكري والأمني الاسرائيلي ، وأن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لم يعد على الأجندة العربية.
وعلى هذا الأساس فإن ما يُطالب به رئيس الوزراء الأسرائيلي نتنياهو اليوم هو التطبيق الجزئي لمبادرة السلام العربية من منطلق أن فيها جوانب إيجابية يجب تطبيقها وأن فيها جوانب عفى عليها الزمن ويجب التخلي عنها. أما ما يجب تطبيقه ، حسب رأيه ، فهو إقامة العلاقات السياسية والاقتصادية بين إسرائيل والدول العربية ، وأما ما عفى عليه الزمن وعلى العرب أن يتخلوا عن المطالبة به ، فهو أن على العرب أن يكفوا عن مطالبة إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلت عام 1967 أو المطالبة بحل قضية اللاجئين... وهكذا فإننا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام نفس التكتيك الاسرائيلي وهو أن يأخذوا من عروضنا ومبادراتنا ما هو لمصلحتهم وأن يتجاهلوا ما نطالب به مقابل ذلك.
وليس غريبا في ظل النزاعات والحروب العربية وظهور الجماعات الاسلامية تحت مسميات مختلفة وممارسات تثير عواطف العالم ضد الاسلام والمسلمين سواء كانت تلك الممارسات حقيقة أو تندرج في إطار الاغتيال المعنوي للاسلام والمسلمين ، أن ترتفع وتيرة الانتهاكات والصلف الاسرائيلي وأن لا تبالي إسرائيل بالعرب والمسلمين مجتمعين وأن تتصرف من منطلق أنها تتمتع بالتفوق العسكري المطلق في المنطقة وأن العرب بحاجة إليها لتحميهم وأنهم في نفس الوقت بحاجة إلى عقود طويلة من الزمن ليحسموا صراعاتهم الداخلية الحالية والعودة إلى النقطة التي كانوا عندها وقت تفجر تلك الصراعات والتي ستكون إسرائيل حينها قد سبقتهم بقرون من الزمن .
ولا عجب بأن تفترض إسرائيل بأن العرب السنة هم الذين بحاجة لها لحمايتهم من " العدو" الشيعي ، وأن هذا الوقت هو الأفضل مطلقا لتحقيق الحلم الاسرائيلي من خلال تكريس الاأستيطان وتكثيفه وإلهاء العالم الخارجي بالتكتيكات والمراوغات الدعائية الاسرائيلية كالظهور بمظهر من يريد السلام والتفاوض على حدود الكتل الإستيطانية ، والاستمرار في نفس الوقت بالبناء والتوسع في كل ما تبقى من الأراضي المحتلة من منطلق أن إسرائيل أبلغت موغريني عما هي على استعداد لعمله ، أي التفاوض على حدود الكتل الإستيطانية ، ولكنها ليست ملزمة بأن تبلغ أحدا عما هي مستعدة للتوقف عن عمله!.
ومن خلال هذه الصورة القاتمة للوضع الاقليمي عربيا وإسلاميا ً ، والوضع الداخلي الفلسطيني المنقسم على نفسه ، وإدراك أبعاد ونوايا إسرائيل في عصرها الذهبي ، فإن المرء ليتساءل وبمرارة عما يدور في خلد القيادة الفلسطينية التي من المؤكد أنها ترى الصورة كما عرضتها ولربما أكثر وضوحا من ذلك لما يتوفر لديها من مصادر المعلومات والتحليلات التي لا تتوفر للانسان العادي. فهل هو قريب ذلك اليوم الذي ستضطر فيه تلك القيادة لتقديم كشف الحساب للشعب الذي هو اليوم على شفا جرف هار؟!