اطلس- النظام الإقليمي العربي الذي تأسس مع جامعة الدول العربية عام 1945 لم يعد قائما، ولم يتبق منه إلا الجامعة العربية كإطار مؤسسي، وهذا في حد ذاته إنجاز لا بد من المحافظة والبناء عليه، على الرغم من كل التحديات والمعيقات والمعطيات السياسية الجديدة التي قد تعصف بهذا النظام، وتحوله إلى مجرد حدث تاريخي.
المنطقة العربية من النظم الإقليمية الأكثر إستهدافا في العالم، وهذا الإستهداف مركب ومعقد، إستهداف من قبل الدول الحاكمة عالمياً ، وهذا واضح في كل مراحل تطور النظام العربي، مع مرحلة النشوء سيطر التنافس بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي على المنطقة ، وبعد سقوط الإتحاد السوفيتي سيطرت مرحلة الهيمنة الأمريكية الساعية لفرض هيمنة القطب الواحد، وشكلت المنطقة احد أهم الإستراتيجيات لما تملكه من قدرات إستراتيجية ضروية لأي قوة دولية ، والمرحلة السائدة الآن وهي عودة من جديد للتنافس والسيطرة بين الولايات المتحدة وروسيا.
وتزامن هذا التنافس تنافس على المستوى الإقليمي: إيران الساعية منذ نشأة النظام العربي للسيطرة والهيمنة ومع النفوذ الإيراني بسيطرتها على جزر الإمارات الثلاث، وإصراراها على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي وصولا لنفوذها الآن في قلب المنطقة من خلال آدوات كثيرة مثل حزب الله وحركة حماس والتواجد الشيعي وتغذيته في المنطقة ، وإلى جانب إيران هناك تركيا الساعية لإحياء دور الخلافة مع حزب العدالة من خلال دعم الحكم الإسلامي عبر حركة الأخوان المسلمين.
اما إسرائيل فدورها واضح بإضعاف النظام العربي والنفاذ الى قلبه ، بتبني سياسات إحتواء كثيرة ، وبتبني سياسة القوة والحرب وإنهاك القدرات العسكرية للجيوش العربية وخصوصا الجيش المصري. ومع مرحلة التحول والثورات العربية برزت تحديات ومعطيات جديدة ولكنها تستهدف الإنقضاض على النظام العربي وتفريغه من كل مقوماته المادية وتفريغ المشروع والهوية العربية من مضمونها. ولعل اخطر هذه التحديات سقوط عدد من النظم العربية الحاكمة ، وبروز دور الجماعات الإسلامية المتشددة وخصوصا بعد سقوط حكم الأخوان في مصر، الذي أراد ان تكون قاعدة الإنطلاق للمشروع الإسلامي الذي تقوده تركيا، وبروز دور القوى والحركات الشيعية كالحوثيين في اليمن ، ومحاولة فصل اليمن عن محيطها الخليجي والعربي، وما تبع ذلك من عاصفة الحزم التي تقودها السعودية، ولا يمكن إستبعاد الدور الإقليمي والدولي بتوريط السعودية والقوى العربية المساندة في حرب إستنزاف ينبغي التنوية منها.
وفي الوقت ذاته محاولة شد الجيش المصري لحرب لا يعرف مداها في سيناء بهدف إنهاك قوته، ولا يمكن تجاهل دور القوى الإقليمية والدولية في تغذية الجماعات المختلفة في سيناء. والهدف واضح هنا ، ضرب القوة السعودية الإقتصادية في اليمن ، وضرب القوة العسكرية للجيش المصرى في سيناء.
وإذا ما تحقق هذا الهدف يسهل على كل الدول الإقليمية إيران وتركيا وإسرائيل، والدولية مثل الولايات المتحدة وروسيا وغيرهما من إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة على أسس ومعطيات جديدة تتداخل فيها المصالح الإستراتيجية لهذه الدول، والطموحات السياسية للأقليات المذهبية التي تقف ورائها إحدى هذه الدول ولذلك فإن السيناريو المتخيل هو بروز أسماء دول غير عربية ، ومن ثم يختفي النظام الإقليمي العربي، ويبني محلة نظام شرق اوسطي جديد ليس بالمنظور الإسرائيليي الأمريكي، ولكن بمنظور مصالح الدول الإقليمية. هذه مجرد رؤية تحذيرية لما يخطط للمنطقة ، وأعود للقول ان قواعد اللعبة اي لعبة القوى قد تغيرت، وان القواعد التي قام عليها النظام الإقليمي العربي في نشأتها الأولى لم تعد صالحة، ومع غياب دور الدولة القائد المركزية ، تبرز قواعد جديدة أهمها قاعدة ثنائية القوة الإقليمية والتي تتمثل في الدور السعودي وما تملكه من قدرات إقتصادية هائلة ، ومكانة إسلامية كبيرة، لكن السعودية ينقصها إكمال هذا الدور، فهي دولة مركز في منطقة الخليج العربي، ومن ناحية أخرى مصر وبإعتبارها دولة مركز تاريخيا لإمتلاكها قدرات عسكرية وبشرية مهمة ، لكن هذا الدور يعاني من تراجع ، بعد ثورة التحولات ، وتحديات إقتصادية.
ولذلك يمكن تبني فكرة ثنائية الدور ، ومن هنا أهمية تشكيل قوة عربية مشتركة هدفها الحفاظ على النظام العربي، والقاعدة الثانية الجديدة هي تكامل هذا الدور بما يمكن ان تقوم به دولا مهمة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، وبقابل هذا الدور التكاملي الدور الذي يمكن أن تقوم به الأردن والمغرب, وبهذه الرؤية السريعة يمكن إستعادة دور النظام العربي بالحفاظ على دوله، وبالحد من تمدد نفوذ دور الدول الإقليمية، وفي هذا السياق تأتي اهمية عملية عاصفة الحزم وتشكيل قوة عربية مشتركة، الأساس في هذه ان لا تكون الدول العربية مغيبة و بعيدة عما يخطط للمنطقة.