الكاتب: راتب عمرو
كثيرا ما اختلف مع خبراء السياسة والأستراتيجية في تحليلاتهم وتقييمهم للوضع الراهن في سوريا ، وفي اعتقادي ان من اسباب ذلك ان الكثير من هؤلاء ينظرون الى هذا الملف الهام من زوايا مختلفة تماما عن الواقع ، حيث ان الوقائع على الأرض تجاوزت كل الحدود والتوقعات ووصلت حالة من الأستعصاء السياسي والعسكري لدرجة أنه يمكننا القول ان الوضع السوري وصل الى وضع خطير، وربما يتحول في القريب العاجل الى ما هو اخطر من ذلك بكثير
ولا احد يستطيع التكهن بالنتائج الا انها لن تكون اقل من ادخال سوريا والشرق الأوسط والعالم عموما في دوامة قد تفوق كل التكهنات والتوقعات . وسأحاول في هذة العجالة مناقشة ذلك بأختصار شديد :
اولاً : واقع النظام في سوريا
سياسياً : ولمن لا يعرف طبيعة النظام السوري فأن قراءة سريعة لتاريخ هذا النظام وأنطلاقا من احداث حماة سيئة الذكر ، ومتابعة دقيقة لمجريات الأحداث على الأرض منذ بداية الثورة الشعبية السورية وحتى الأن ، ومن خلال القمع العسكري الذي يقوم بة النظام بواسطة جيش قوي تم اعدادة لسنوات ليكون جيشا لحماية النظام وطائفياً بأمتياز، من خلال ذلك نستطيع الحكم على هذا النظام الذي تجاوز كل الحدود .
حيث ان الأسد هو رئيس السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وهو القائد العام للقوات المسلحة السورية ، اي بمعنى انه رئيس كل شيء ، وعلى الرغم مما اشيع في الأونة الأخيرة ان صلاحياتة قد تقّلصت إلا ان العكس هو الصحيح ، فهو يواصل الليل بالنهار لتدمير سوريا وكان له ما يريد، فقد تحولتّ سوريا الى ساحة حرب ، والى بلد يعيش في زمن القرون الوسطى،لا ماء ولا كهرباء ولا حتى شعب ، حتى انه اقحم الأقليات الأخرى من الشعب السوري في معمعة الحرب الأهلية وهي تواجه خطر اجبارها على الخروج من البلاد مثل المسيحيين والدروز والفلسطينيين والأكراد والتركمان والشراكسة وأنصار الطائفة الأسماعيلية . كما ادخل البلاد في دوامة الحرب الأهلية الطائفية .
ويتّبع النظام السوري هو ومن حولة من ازلام النظام خطابا سياسيا لا لون ولا طعم لة ، يُقنع نفسة من خلال وسائل اعلامة التقليدية محدودة الأفق بأن ما يقوم بة هو التصدي لمؤامرة ذات اجندات خارجية تآمرية ضد سوريا " الممانعة" ، وفي اخر خطاب القاة تجاهل فيه المعارضة السورية بكافة اطيافها بل انه وصفها بالمجموعات الأرهابيه ، وهذا دليل على ان الرجل اطلق لنفسه العنان وتجاوز كل الحدود والحلول السياسية المطروحه على الرغم من انه طرح حلا سياسياً اقرب ما يكون الى صك اذعان يريد من المعارضة الألتزام به ، ولا استبعد ان ُيطّور معارضة جديده وعلى مقاسه السياسي والعسكري لتُقرّ بالشروط التي اشترطها ويقنع نفسه ومن معه بما يقبلون به ، وبذلك يكون قد وضع نفسه ومصيره ومصير الشعب السوري من مؤيدين ومعارضين امام حل وحيد هو الحسم العسكري سواء من قبل جيش النظام او من قبل الجيش الحر والفصائل المشاركه معه .
ومن ابرز ما قام بة النظام انة دخل في تحالفات سياسية وعسكرية مع عدد من الدول وعلى رأسها روسيا وأيران، لأدخال المنطقة في دوامة حرب اقليمية او شرق اوسطية وربما عالمية ، والسبب هنا واضح وهو ان روسيا قبلت ذلك بعد ان وجدت نفسها خارج لعبة ما حدث ويحدث في المنطقة العربية كنتيجة لما يسمى بالربيع العربي ، ومن خلال اعادة قولبة المنطقة وترتيب اوراقها من جديد، وتحديدا بعد ما تم تهميشها في كل ما حدث في العراق اولاً وفي كل من مصر وليبيا وتونس واليمن لاحقاً ، وهي ترى في سوريا اخر معقل لها في محاولة لأستغلال هذا المعقل الأستراتيجي كنقطة انطلاق جديدة لها في المنطقة ، وكجزء من خطة " بوتن " المتمثلة في استعادة نفوذ روسيا في المنطقة العربية وأستعادة امجاد الأتحاد السوفيتي السابق.
وبما ان المنطقة العربية خصوصا والشرق الأوسط بشكل عام يشهد تحولات جذرية في ترسيخ الولاءات وأعادة جدولتها من جديد لتتوائم مع المصالح الأميركية والغربية ، وبما ان ايران هي الأخرى تسعى لأستعادة امجاد الأمبرطورية " الفارسية" وتتحكم في كثير من مفاصل الأمور الأمنية والسياسية في المنطقة ومنها سوريا ، فقد نجحت على ما يبدو بأن تربط بين ما يجري في سوريا وما يجري على الصعيد الدولي بخصوص ملفها النووي ، وبالتالي اصبح الموقف الأيراني من الأزمة السورية يتوقف على الموقف الغربي من البرنامج النووي دونما شك .
لهذا فأن المصالح الروسية والأيرانية تشابكت مع المصالح الشخصية للنظام السوري ، وتحدد دعمهم لهذا النظام ليس لأنة نظاماً ممانعا كما يدعون ، بل لأنة نقطة انطلاق لتنفيذ مخططاتهم الرامية الى تقاسم المنطقة وتحقيق اكبر قدر من المكاسب السياسية والأستراتيجية لهم ، كما نجح النظام السوري حتى الأن في استثمار الموقفين الأيراني والروسي بجدارة ، وخلق من قناعاتة وأدعاءاتة الكاذبة قناعة لدى هؤلاء ، وضَمن موقفا يحول دون تمكن الدول الغربية " والناتو " من الأقدام على اي عمل عسكري صغُر ام كبر ، ثم ان هذه الدول وتحديدا روسيا ضمنت للنظام السوري موقفا سياسياً يحميه من قرارات مجلس الأمن الدولي ، وهذا ما اعطاه وقتاً اطول وفرصة اكبر على الحسم .
ومن اهم الأوراق الرئيسية التي يراهن عليها النظام انه يُشيع بين الحين والأخر بأن تقسيم سوريا قادم على ايدي المعارضه ومن يدعمها من الغرب والشرق ، وهذا وتر يعزف عليه كثيراً ليقنع من حوله بأنه الحامي والضامن للمشروع الوطني السوري .
ومن هنا فقد اصبح الملف السوري هو الأكثر تعقيدا في التاريخ الحديث للمنطقة العربية بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام ، وخرج بما يدور فيه من احداث وحرب اهلية طاحنة عن مسار ما يسمى بالربيع العربي ، وأصبح اقرب ما يكون الى حرب بالأنابة بين المصالح الروسية والأيرانية في المنطقة العربية من جهة وبين المصالح الغربية من جهة اخرى .
ثم ان الأسد صنع لنفسه معارضة موازيه للمعارضة الحقيقيه وأوعز بالسماح لهم بعقد مؤتمر في دمشق وعلى مرأى ومسمع من الجميع ، حتى انهم طالبوا بسقوطه من على مرمى حجر من معقله ، وأوعز بأعتقال عدد منهم ليمرر اللعبه على من بقي له من مؤيدين ، وكاد ان ينطلي الأمر على كثير من المؤلفة قلوبهم ، ولا زال النظام وحتى يومنا هذا يُقنع نفسه ومن حوله من ازلام النظام بأنه قادر على ضبط الأمور والخروج من الأزمة بسلام وهذا بالتأكيد لن يكون ممكناً .
عسكرياً : فقد اقحم النظام "الجيش العربي السوري " منذ اللحظة الأولى للأحداث في سوريا في معمعة الحرب الأهلية ، وجعل من هذا الجيش حاميا للنظام بدلا من حماية الشعب ، او على الأقل الوقوف على الحياد حفاظا على ماء وجه ضباطة وضباط صفة وجنودة اللذين اقسموا يمين الولاء للوطن ، لهذا رأينا انشقاقات متتالية بين صفوف عدد كبير من ابناء هذا الجيش الشرفاء واللذين وجدوا في بقائهم امتهانا لكرامتهم ولشرفهم العسكري .
ومما لا شك فية ان الجيش العربي السوري فقد هيبتة العسكرية منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها الثورة الشعبية في سوريا ، ومنذ الرصاصة الأولى التي اطلقها بأتجاة ابناء هذا الشعب السوري العظيم ، بعد ان تخلى عن عقيدتة القتالية دونما شك ، لأن الأصل في الجيش اي جيش ان يدافع عن الشعب ويحمي الوطن من اي عدوان خارجي لا ان يُقحم نفسة في قمع المتظاهرين ، فهذا من مهام الأمن الداخلي او الشرطة او ما يسمى في كثير من الدول الأمن العام ، حيث ان الدفاع عن الشعب وحماية الوطن لا ينسجم مع قتلة وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، وتدمير بنية الوطن التحتية والفوقية مهما كانت الأسباب والمبررات ، وأذا ما حدث ذلك فأنة يتعارض ما مهمتة الرئيسية ويُفقده مقومات الجيوش الحقيقية وأهدافها السامية التي وُجدت من اجلها .
ثم أن جيش النظام يقاتل على ارضه ويقصف اهدافا يعرفها جيدا وكان مكلفاً في الأصلً بالدفاع عنها وحمايتها ، ولدى الكثير ممن ينتمون الى الطائفة العلوية وخاصة الضباط منهم قناعة تامه ان معركتهم في الدفاع عن النظام هي معركة مصيريه ، ومن كان منهم من غير الطائفة العلويه فأن مجرد تفكيره بالأنشقاق يعني الأعدام له ولأفراد عائلته وأقاربه وهم في هذه الحاله بين ان يقاتلوا الى جانب النظام او تقبّل المصير الذي تفرضه عليهم ساحة المعركه .
كذلك فأن جيش النظام يمتلك كل ما يملكة اي جيش نظامي في العالم من اسلحة ومعدات عسكرية ، فأوغل في استعمالها لدرجة ان الأمور بدت ان حربا حقيقة تدور بين جيشين متقابلين ، حتى ان تقارير من الميدان اكدت عن قيام جيش النظام بألقاء قنابل عنقودية على المدنيين _ وهي قنابل تنفجر فوق سطح الأرض مطلقة قنابل صغيرة لتنفجر وتطلق شظايا مدببة على مساحة واسعة من الأرض تصل الى ما يساوي مساحة ملعب كرة القدم - ، وبالونات حرارية ، ويقوم بتفجير السيارات المليئة بالمتفجرات في اماكن تجمع المدنيين لأيقاع عدد من الخسائر بين صفوفهم ، كما يقوم بألقاء البراميل المتفجرة والتي هي اشبه بقنابل النابالم الحارقة ، وصواريخ " سكاد" بعيدة المدى وذات القدرة التدميرية الهائله ، وطائرات " الميج " روسية الصنع في قصف المدنيين والثوار على حد سواء ، وهنلك بعض التقارير تشير الى تورطة في استعمال الأسلحة الكيماوية ، وأنة يرّوج لقيام الثوار بالأستيلاء على بعض تلك الأسلحة في محاولة خبيثه لتوريطهم وأتهامهم بأستعمال تلك الأسلحة في حال اقدم هو على استعمالها .
وقد عمد النظام الى اقحام المخيمات الفلسطينية في الحرب الدائره في خطوة تبدو وكأنها تصفية حسابات مع هؤلاء انتقاما منهم بسبب وقوفهم على الحياد وعدم وقوفهم الى جانب النظام في حرب الأبادة التي يقوم بها ضد الشعب .
ثانياً: المعارضة السورية
سياسياً: فأننا نستطيع القول ان النظام السوري وجد في المعارضة السورية السياسية معارضة مخملية ، فهي معارضة ضعيفة وممزقة بكل ما في الكلمة من معنى ، وحاول اختراقها من خلال عناصر موالية له ، حتى اننا نستطيع القول ان الثورة السورية أُختطفت ووجدت نفسها امام من تنقصهم الخبرة سواء في التخطيط السياسي او الأستراتيجي .
ثم توحّدت المعارضة تحت ما سمي " بالأتلاف الوطني السوري" وأعترفت فية البعض من دول العالم ، لكنها فشلت حتى الأن في تقديم شخصية قويه لتكون بديلا للأسد ويمكنها ان توحّد المعارضة وتوحّد سوريا في مرحلة ما بعد الأسد ، وتستطيع الدول العربية والغربية الوثوق به وتوفير الدعم والتأييد له ليكون بمقدوره اعادة بناء سوريا الجديدة بعيدا عن التجاذبات السياسية ،ولتكون قادرة على استيعاب جميع ابنائها من كافة الأصول والمنابت دونما استثناء لنرى سوريا
المستقبل هذا النسيج الحضاري العريق لنراها دولة مدنية وديموقراطية ووطناً لجميع السوريين ، وفي حال لم يتم ذلك فأن دخول عناصر من ايدولوجيات وتوجهات متعدده سيُدخل الساحة السورية الى ما يُشّبه الساحة العراقية في اعقاب دخول القوات الأميركية وسقوط النظام هناك .
عسكرياً : فأني ارى ان الجيش السورى الحر يخوض منذ بداية الثورة السورية المسلحة معركة الشرف وتحرير سوريا من نظام الأسد الطاغية ، ومعركة الدفاع عن الشعب السوري الذي تعرض ولا يزال لأفظع وأخطر محاولة لتصفيتة وتشريدة وتمزيق وحدتة وكينونتة الوطنيه ، وحفاظا على ما تبقى من الشرف العسكري السوري الذي فقدته قوات النظام .
وعلى الرغم من انني أُجل هؤلاء الشرفاء وأقدر لهم نخوتهم ونصرتهم لأبناء شعبهم الذي يُذبح في كل يوم على مذابح النظام ، وعلى مرأى ومسمع العالم اجمع والذي بدى مكبلا لا حول لة ولا قوة ، وهذا اقصي ما يمكن الحصول علية ، بل من غير المسموح غربيا ان يصلهم من الأسلحة المتوسطة والثقيلة والأسلحة الحديثة والمتطورة لمقاومة الدبابات والطائرات والتي يمكن من خلالها حسم المعركة ، على الرغم من ذلك فأني ارى ان هؤلاء لن يكون بمقدورهم حسم المعركة مع جيش النظام والوقوف في وجه مخططاته التي قد يتمكن من خلالها وبدعم روسي وأيراني من قلب الأمور رأسا على عقب في اللحظات الأخيره .
ثم ان قوات المعارضة السورية وعلى الرغم من تمكنها من احداث العديد من الأختراقات التي نجحت في القيام بها بين الحين والأخر بين صفوف جيش النظام ، وتمكنها من تحرير والأطباق على العديد من المناطق ، إلا ان الأمور تبدو كما يسمونها بلعبة القط والفأر ، حيث ان لدى النظام اوراقا كثيرة يمكنه اللعب بها وأستعمالها في اللحظات الأخيرة في حال شعر بالخطر ،اقلها استعمال الأسلحة الكيماوية وأدخال المنطقة في اتون حرب لها اول وليس لها اخر .
ولا اعتقد ان هذة الأعداد من المقاتلين سواء كثُرت او قلت ، ستكون على المدى المنظور قادرة على حسم المعركة ، لأسباب تتعلق بأمكانيات هؤلاء التدريبية والتسليحية ، فلا هم قوات مؤهلة لخوض حرب عصابات تستطيع من خلالها توجيه ضربات موجعة لجيش النظام ، ولا هو جيش تتوفر لدية ما يتوفر للجيوش النظامية الحقيقية من مواقع عسكرية محصنة وقوات مدرعة وآلية، وطائرات حربية ومدفعية ثقيلة ومتوسطة وأمدادات لوجستية كما هو الخصم ، كما ان الجيوش تزحف على بطونها ، فأين هي خطوط الأمداد والتموين الفعلية البديهية والضرورية لكل من يعتبر نفسة جيشا مقاتلا ؟ ، او حتى قوات مؤهلة لحرب عصابات فاعلة وحقيقية على الأرض ، الأمر الذي اجبرهم في كثير من الأشتباكات مع الخصم اللجوء الى المدن والمناطق المبنية ، إما للحصول على التموين اللازم او لتوفير الحماية الضرورية ، وهذا ادخلهم في دوامة قتال المدن والمناطق المبنية المعقد والذي يتطلب مهارة عالية من الكفاءة والتدريب ، كما انهم بحاجه الى أسلحة تمكنهم من اقتناص جنود ودبابات وأليات الخصم والتصدي لها ، حيث ان ما حدث هو العكس ، فقد وجد جيش النظام حجة قوية حتى يتمكن من القضاء على هؤلاء من خلال تدمير المباني على رؤوس ساكنيها ، بهدف اخراج الخصم وأجبارة على ما يُسمى بقتال الشوارع والمناطق المكشوفة ، وهذا يتطلب بالتأكيد مهارة خاصة وغطاء جويا ومدفعيا مكثفا وقوات هندسية قادرة على زراعة الألغام في طريق الخصم لأعاقة تقدمة .
اذاً فنحن امام حرب غير متكافئة بكل ما في الكلمة من معنى ، جيش نظامي لدية من الأمكانات والموارد البشرية وخطوط الأمداد والتموين اللازمة ، ما يمكنة الأستمرار في هذة الحرب الغير متكافئة بأي حال من الأحوال ، وبين عدد من الضباط وضباط الصف والجنود الأبطال والأحرار والثوار ، إلا ان امكاناتهم محدودة وقراراتهم ليست موحده فالجيش الحر له قيادته الخاصة وقراراته الخاصة ، وباقي الفصائل والمنظمات لها قياداتها الخاصة وقراراتها الخاصة ايضا ، ولا يمكن ان تشكل في اي وقت من الأوقات ، ولا بأي شكل من الأشكال قوة موحده وحقيقية ورادعة في وجه قوات مسلحة ، لم تجد في طريقها عائقا سواء اكان المواطن الأعزل او الُبنى التحتية بأنواعها او المباني على ارتفاعها ، فأتبعت ما يسمى بسياسة " الأرض المحروقة " فدمرت وحرقت كل ما يعترض طريقها من بشر وشجر وحجر ، وأن كل ما قامت بة الدول الداعمة للثورة الشعبية هو الدعم المالي وتوفير بعض الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ،وأخيرا تكرمت الولايات المتحدة الأميركية والدول الداعمة للثورة السورية بالموافقة على تقديم صواريخ " ستينجر " لمقاومة الطائرات ،وفي احسن الأحوال فأن هذه الأسلحة جميعها لا تسُد اكثر من رمق المقاتلين وتمكنهم من احداث بعض التقدم على الأرض ، والمهم هنا الأحتفاظ بالأرض والتشبث بها والصمود في وجه طيران ومدفعية جيش النظام وأمام صواريخه المدمرة مثل صواريخ " سكاد " التي بدأ بأستعمالها مؤخرا
كما ان دخول بعض الفصائل الأسلامية على الخط ، سواء ما كان منها يتبع الى حركة الأخوان المسلمين السورية او ما يتبع لمنظمات اسلامية اخرى مثل جبهة النصره التي يُعتقد انها تتبع الى تنظيم القاعدة ، ساهم في خلافات عربية – عربية ، وعربيه- غربية ، وغربية – غربيه ،الأمر الذي انعكس سلباً على موقف بعض الدول العربية والغربية من المساهمة في دعم الثورة الشعبية في سوريا وتحديدا الجيش الحر . كل ذلك جاء في مقابل خبث النظام وذكاءه وقدرتة على قلب الحقائق وتلفيق الأكاذيب ، وأستعمال كل امكاناتة وقدراتة على الأرض لحسم الحرب لصالحة .
كذلك فأن المطلوب اعادة ترتيب اوراق المعارضه السورية السياسية والعسكريه من جديد لأنها امام نظام ذكي ولدية اوراقا كثيرة ، سواء تلك المتعلقة بأدارة المعركة العسكرية في الداخل ، او تلك المتعلقة بأدارة المعركة السياسية في الخارج والداخل ،
ثم ان المطلوب كذلك دعما عسكريا حقيقيا وليس عشوائيا للجيش الحر ، يوفر لة اسلحة ومعدات عسكرية تمكنة من الوقوف في وجه الخصم لتشمل منظومة قتالية كاملة ، وتوسيع دائرة الأنشقاقات لتشمل وحدات كبيرة على مستوى الألوية والفرق بكامل مرتباتها وأسلحتها ، وتوحيد صفوف الداعمين العرب بعد ان وصلت الأمور الى انقسام ليس في الرأي تجاه ما يحدث في سوريا ، بل الى انقسام في الدعم بعد ان اصبحت اوضاع المعارضة العسكرية منقسمه ودخلت على خط المقاومة السوريه جهات ومجموعات غير واضحة الأهداف والنوايا وتحولت الساحة السورية المعارضه الى ساحة لأستعراض العضلات وتحقيق المكاسب . والمطلوب كذلك توحيد جميع الثوار والمقاتلين تحت راية الجيش الحر ، وتوفير قوة ردع كافية تمكنة من السيطرة على الأرض وحماية العُزّل من ابناء الشعب في المناطق المحررة ، ولقصف مواقع الخصم وأحداث توازن في القوة والقدرات على الأرض .
ثالثاً : انعكاسات الوضع السوري على اسرائيل والغرب :
لقد نجح النظام السوري في الترويج لما يُسمى " اسلمة " المعارضه ، وأن القادم في سوريا هو نظام بل مجموعة من الأنظمة الأصولية المتطرفه والتي ستُخلّ بميزان العلمانيين واللبراليين العرب ، وهذا امر يُخيف الكثير من دول الجوار كما يخيف الولايات المتحدة الأميركيه والدول الأوروبية الداعمه للثورة السوريه ، وربما كان هذا احد الأسباب التي دفعتها الى التردد في دعم المعارضه ، ويخيف اكثر ما يخيف " اسرائيل " التي عاشت حدودها مع سوريا هدوءاً غير مسبوق في تاريخ المنطقة العربية وتاريخ الصراع العربي الأسرائيلي منذ انتهاء حرب عام 1973 وحتى الأن .
لهذا قررت اسرائيل مؤخرا الشروع ببناء جدار عازل على حدودها مع سوريا يحميها من ويلات الزمان ، ومضاعفات وصول المنظمات الأصولية الى الحكم في حال سقوط نظام " الأسد " ،على الرغم من انها حددتّ موقفها من النظام السوري منذ سنوات والذي يتلخص في الأبقاء على " بشار الأسد " ضعيفاً افضل من اي نظام سوري اخر وهذا ما حدث فعلا ، الا ان تغيّر مسار الأحداث في سوريا وخروج تلك التطورات عن مسارها الذي ارادتة الولايات المتحده وأراده الغرب وبعض الدول العربية الداعمه للثوره ، جعل من تلك التطورات مصدر قلق لأسرائيل ، في حين ان اسرائيل ورغم ما يتردد من انباء عن استعدادها للقيام بنشاطات عسكريه وأستخباريه ضد سوريا الا انه يندرج في مجمله تحت حماية مصالحها الأمنيه الخاصه ، وأضعاف النفوذ الأيراني في المنطقه وبالتالي اضعاف " حزب الله اللبناني " العدو اللدود لأسرائيل ، والأستيلاء على مستودعات الأسلحة الكيماوية فور سقوط النظام ، كل ذلك اكثر مما يتعلق الأمر بأسقاط نظام " الأسد " ، اي بمعنى ان اسرائيل وجدت نفسها منذ اليوم الأول لأشتعال الثورة في سوريا امام خياريين احلاهما مرُّ ، يتمثل الأول في ان بقاء " الأسد " يعني هدوءً على حدودها مع سوريا ، ولكن في الوقت نفسه فهو نظام يمثل مصالح ايران في المنطقه ويدعم حزب الله اللبناني ، وفي حال بدأت معركة اسرائيل لقصف المواقع النووية في ايران فأن سوريا وحزب الله معاسيشكلان خطرا حقيقيا عليها وعلى حدودها وعلى مدنها ومواطنيها . اما الخيار الثاني فهو يتمثل في سقوط "الأسد " وهنا فأن النفوذ الأيراني في سوريا قد يتوقف ودعم حزب الله سيتوقف كذلك من خلال سوريا ، لكن الخطر ربما سيظل موجودا ً ، حيث ان امكانية سيطرة المنظمات الأصولية على النظام القادم وارده ، لهذا فأن اسرائيل ستواجه على الأغلب حدودا غير آمنه على اقل تقدير .
رابعاً : الأستنتاجات والتوقعات
خلاصة القول ان ما يحدث على الأرض في سوريا بعيدا كل البعد عن كل ما قد يُنبأُ بحسم قريب، وأن النظام في سوريا يراهن على عامل القوة والردع بالأضافة الى عامل الوقت ، وأن جميع مقومات وعناصر القوة والردع متوفرة ، ويمكن ادامة توفرها من مصادر ووسائل متعددة وكثيرة ، وأن الجيش النظامي ورغم الأختراقات المتعددة والمؤثرة في كثير من الأحيان وفي عدد من المناطق وتحديدا المناطق الشمالية من قبل الجيش الحر ، إلا انة يحاول جاهدا حسم المعركة لصالحة مهما كلف الثمن وبغض النظر عن النتائج .
اما عامل الوقت وهو الأهم فقد ادرك النظام منذ اللحظة الأولى لبدء الثورة الشعبية انة ليس لدى دول العالم العربي والغربي اكثر من الدعم المالي ، وأكثر من الشجب والأستنكار والصراخ والعويل ، ولعل المطلوب دوليا هو اطالة الحرب الأهلية في سوريا ، وتقسيم سوريا الى كنتونات طائفيه ، وأن تنتهي هذة الأوضاع بلا غالب او مغلوب ، ولكن على الطريقة الغربية الجديدة ، اي بمعني ان ينتهي الملف السوري بأنتهاء كل من سوريا والشعب السوري ونظام الأسد في آن واحد .
وإلى ان يتحقق ذلك فأن حُمّى ما يسمى بالربيع العربي سيتم تعميمها ، ومطلوب اطالة امدها لنصل الى ما يسمى بتدويل الأزمة السورية ، ونصل في نهاية المطاف ليس فقط الى سوريا ممزقة يسهل الأنقضاض عليها وتطويعها بسهولة ويُسر ، بل الى شعب سوري مشرد ومتشرذم يصعب من خلال ذلك اعادة تكوين بنيتة البشرية والحضارية من جديد ، وأظن ان معالم ذلك بدأت بالظهور .
بقي ان نقول ان النتيجة لا يحددها اسقاط طائرة هنا وتدمير دبابة هناك والأستيلاء على مساحات شاسعه من الأرض ، بل على الأغلب يحددها الوقائع على الأرض من خلال الحسم السريع للحرب الدائرة سواء من خلال انقلاب عسكري او صفقة سياسية تنهي حكم هذا الطاغية الذي طغى وتجبرّ ، وهذا على ما يبدو من الصعب تحقيقة على المدى القريب اوالمتوسط ، ثم ان القادم في سوريا سيكون صعبا وخطيرا ليس على سوريا والمنطقة فقط بل على الشرق الأوسط وربما العالم اجمع ، فقد يلجأ الى تحويل مسار الأمور بأتجاه اخر سواء من خلال استعمال الأسلحة الكيماوية او الأعلان عن تمكن الثوار بالسيطرة على مخازن تلك الأسلحة ليعطي لنفسة تبريرا لأستعمال هذا السلاح الفتاك ، وأذا ما حدث ذلك فعندها سنجد انفسنا امام واقع جديد اقله حربا شرق اوسطية .
ولا اظن ان انفراجا قريبا سيحدث على الساحة السورية،على الرغم من المبادرة الدولية الجديدة التي قدمها الوسيط الدولي " الأخضر الأبراهيمي " والمتضمنة ابقاء الأسد في موقعة حتى عام 2014 بدون صلاحيات ، وتشكيل حكومة من اطراف سورية محايدة ، الأمر الذي رفضتة المعارضة ورفضة الشعب السوري بكافة اطيافة ومواقعة ، وخيرا عملوا بهذا الرفض لأن قبولهم بأبقاء الأسد يعني قبولهم بأنصاف حلول وبنصف ثوره وهذا يعني فشلا ذريعاً لهم ولثورتهم التاريخية . ثم ان الدعوة التي وجهتها الخارجية الروسية الى رئيس الأتلاف السوري " معاذ الخطيب " ما هي الى محاولة روسيه لأطالة امد الأزمة والعزف على وتر الحلول السياسية الكاذبه ، وهو امر يستفيد منة النظام السوري ويستثمره في اضاعة الوقت وأطالة امد بقاءه في الحكم ، في حين ان بعض المعلومات التي تم تسريبها مؤخرا تقول ان اتفاقا ما تم التوصل اليه بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في " دابلن " ُيفيد بتغيير على الموقف الروسي من النظام السوري .
كذلك فأن ما يحدث في العراق هذه الأيام من بوادر ثوره شعبية ، وأذا ما استمرت هذه الثوره فأن ذلك يعني ان هنالك تغُّيراً ملحوظاً على السياسة الأميركية او تخليا عن النظام في العراق لصالح الأحزاب السنية والشيعية المعارضة للنظام السوري ، وأذا ما صح ذلك ونجح فأن الأمر سيكون له انعكاساته السلبية على النظام السوري بسبب انشغال النظام العراقي الداعم للنظام السوري بحل مشاكله الداخليه ، ولما لذلك من تأثير على دعمه عسكريا بأعتبار العراق منفذا لخطوط الأمداد العسكري الرئيسية ، الا انه في الوقت نفسه ينعكس ايجابيا على وضع المعارضة العسكرية والسياسيه لهذا يتوجب استثمار هذا الذي يحدث سواء من قبل الدول الداعمه ام من قبل المعارضة السوريه .
والى ان يتم انهاك الجيش العربي السوري المدافع عن النظام ، وأنهاك الجيش الحر، وأتمام مخطط شرذمة الشعب السوري الأصيل والمعارضة بكافة اطيافها، وتقسيم سوريا الى كنتونات طائفيه ، وربما انتظار ما قد تُسفر عنة مفاوضات البرنامج النووي الأيراني ، او حلحلة قضية البرنامج النووي على حساب النظام السوري ، او ما قد تُسفر عنة المحاولات الغربية لأقناع روسيا بتغيير موقفها من هذا الملف اذا لم يكن ذالك قد تم فعلا . رغم اني اجزم ان الموقف الروسي لن يتغير ، ولا الصفقة الأميركية والغربية الأيرانية قد تنجح ، لهذا فأن الوقت سيطول والوقائع على الأرض تأخذ مناحي جديدة ومتغيرات ومفاجئآت كثيرة قد تخرج عن سيطرة الجميع ونجد انفسنا امام تطورات ومستجدات لم تكن بالحسبان .
والسؤال الذي يطرح نفسة هو : ما الذي يتوقعة الأسد بعد هذا الذي حدث ،وهل يمكنه التصالح مع هذا الشعب الذي تقطّعت اوصاله بعد اكثر من مليون من القتلى والجرحى والمعاقين والمشردين ، وما يزيد عن اربعة ملايين تركوا بيوتهم او لجأوا الى دول الجوار ، ومئات الاف البيوت التي هُدمت على رؤوس اصحابها وساكنيها ؟ .
فأذا كان الهدف من كل هذا الذي حدث هو الأستمرار في حكم هذا الشعب الذي اوصلة الى حالة اللاعودة فلا اظن ان هذا سيحدث ، وإذا ما حدث فكيف يمكن ان يستوي الأمر بعد ان اصبح مطلوبا لكل من سقطوا وهم ينشدون الحرية ليس اكثر ، بل مطلوبا لكل اللذين لا زالوا على قيد الحياة وفي قلوبهم قليل مما حدث لهم ولأبنائهم وشاهدوا بأُم اعينهم على اقل تقدير.
مدير مركز الأفق للدراسات الأستراتيجية / عمان – الأردن