اطلس- ثلاثَةُ شهداءٍ برصاصةٍ واحدة، وثلاث أمهات يُفجَعن بالخبر ذاته!
هُم أبناءُ عمٍّ إذاً، وسوف تبكيهم نساء البلدة كلّها، فُراقاً وعَوْناً لقلبِ إمرأةٍ بكت البلادَ ثلاث مرّاتٍ، ولم تبخل عيناها بِسُقيا عصافير الحصاد.
على طريقة غسّان كنفاني في رفضه تسمية الاحتلال بالاستعمار، لما للمفردةِ من دلالة على التعمير، لكونها المصدر من استَعْمَرَ، أي استصلَح، والأجدر وصفه بالاستدمار بدلاً من الاستعمار، فالاحتلال من أحال عمران البلاد البديع إلى خراب، فبالمثل، أرفضُ وصف جريمة اغتيال شهداء بلدة سعير الثلاثة بالتطهير العرقي، على الرغم من وضوح دلالة العبارة ومعناها في وصف جريمة الاحتلال وبشاعة أنيابه التي تقطُر دماً.
فهم يُدمّرون وينشرون السوادَ والقطران على ثوب أرضنا العروس، والشهداء يُطيّبونها بدمهم المسك، ويطهّروها من رجس المستذئبين بأرواحهم، وتغسل الأمهاتُ بالدمّع الساخنِ كروم العنب والزيتون.
أحمد ومهنّد وعلاء كوازبه شهداء هذا الليل الماطر، هم أجمل أسماء الكروم، اعتصروا أفئدتهم مثل ثريّات العنب، وصعَدوا سُلّم الغيمِ سويّةً، وحلَّقوا فوق جبل الخليل.
هذا جزء من حكاية النار التي أوقدتها بلدة سعير في عروق أبنائها ليمور الشوق في قلوبهم لأحبّة صعدوا قَبلَهم سُلَّم الضياء، فَـ خليل شلالدة أيضاً إشتاق لشقيقه محمود الذي سار قبل شهر من هذا الوجع في دربَ الخلود، عَرَفَ شقيقَه الطريقَ فسار على خطاه هذا المساء، وأكمَلَ حكاية النار.
ولَمْ تكفكف النساء دموعها بعد، فلا يحتملُ قلبٌ واحدٌ هذا الفقد الجارح مرتين !
فمتى ترتاح أفئدة أمهاتنا من التقطّيع ولداً تلوَ الوَلد؟ ومتى نموتُ موتاً عاديّاً هادئِاً لا أثر فيهِ لرصاصةٍ أو " مستوطنه " ! ألم يأخذوا حصّتهم بَعد من دمنا لينصرفوا؟
يرحَلُ الشهداءُ أشقّاءً وأصحاباً وأبناء عمّ، ويصبِحُ الصمتُ سيّد البلاغة بالرثاء، يرمي ثقَلَ فقدهم علينا فنصمتُ خلفَ جنازاتهم، بينما هُم يتصاعدون إلى الأعلى، يتكثّفونَ في سمائنا شموساً، ستُشرِقُ ذات فجر.