اطلس- شاءت الأقدار وسلكت "طريق وادي النار" الرابط جنوب الضفة الغربية بوسطها وشمالها، متوجها من منطقة بيت لحم إلى رام الله العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية لإنجاز معاملة شخصية.
وبعد ان حطت بنا الرحال في رام الله توجهت للدائرة المعنية لإنجاز المعاملة المتمثل بطلب تصويرها من تلك الجهة الرسمية ، فتقدمت بالطلب المرسوم بالسلطة الفلسطينية والمدموغ بالطوابع المالية كرسوم ونفقات للشؤون الادارية حفاظا على وقت سلطتنا الفتية ، وأنا كلي احترام للقوانين المرعية في تلك المعاملات الإدارية.
وحين فرغت من تجهيز تلك المعاملة الرسمية، ودفعت الرسوم المالية، وتقدمت بكل هدوء واحترام للهيبة الرسمية السائدة في تلك الدائرة المعنية، طلبت مني موظفة صبية ان استريح في قاعة المراجعين المرئية بالكاميرات الخفية .
وبدأت أعد برنامجي اليومي لاستغلال اجازتي في ذاك اليوم، كون انجاز تلك المعاملة لن يستغرق الوقت الطويل وأن انجازها سيكون لحظيا ، وجلست في قاعة المراجعين والمنتظرين، وانقضى بعض الوقت، فعدت لتلك الصبية مستفسرا، فقالت: نحن بانتظار عودة الرئيس، فأصبت بالدهشة وقلت: وهل هذه المعاملة بحاجة لتوقيع سيادة الرئيس؟ فردت: لا أنا، اقصد رئيس الدائرة، فتنهدت وحمدت الله عز وجل ، وقلت: الامر اذن بسيط، وتجرأت وسألت، وأين الرئيس؟ فقالت بأنه غادر مكتبه وسيعود قريبا، بعد ساعة او ساعة ونصف ، وعدت لمقعدي وغالبني النعاس من طول الانتظار، وما ان استفقت من غفوتي وأنا جالس في قاعة المراجعين حتى وجدت كل المنتظرين والمراجعين مغادرين فأسرعت نحو الموظفين أتساءل عن معاملتي، وإذا بهم يهمسون في اذني بأن الرئيس لم يعد لغاية الآن ليوقع على انجاز معاملتي وإعطاء الإذن بتصويرها، وقالوا: عليك الانتظار، فقررت ان اوجه سؤالا انتحاريا وأقول: أليس هناك نائب له؟ أليس هناك لكل مدير مدير في مؤسساتنا الرسمية من كثرة ما فيها من موظفين؟
فجاء الجواب بأن رئيس الدائرة هو المخول بالتوقيع، وأن الفرج قريب لأنه سيعود حتما قبل انتهاء الدوام الرسمي في الساعة الثالثة عصرا ، وقلت ربما انه مشغول في متابعة احوال الرعية خارج المباني الرسمية، وواصلت الانتظار لحين شرع الموظفون بالمغادرة بذريعة انتهاء الدوام ، فتقدم احدهم مني قائلا: أنا افضل بأن ترجع غدا لأن الرئيس لم يعد للدائرة والدوام انتهى اليوم، فانصرفت عائدا خالي الوفاض ومعاملتي حزينة لأنها لم تكحل نظرها بالتوقيع السامي لذلك المسؤول في ذاك اليوم.
فهل يعقل بأن سلطتنا التي بها من البطالة المقنعة ما بها، وبين كل مدير ومسؤول مدير، تربط معاملات المواطنين وتهدر وقتهم "بمشاوير" هذا المسؤول أو ذاك، وإمكانية عودته للدائرة الرسمية من عدمه؟
أين الجهات الرقابية؟ وأين المتابعة الإدارية ؟ فهل مسموح لأي مسؤول مهما كان شأنه وعلا قدره ان يهدر وقت المواطنين؟ أليس هناك نائب لكل مسؤول ، فأين النائب؟ أليس مخولا بالتوقيع في حال مغادرة المسؤول الأول لدائرته؟ أم أن ذلك التوقيع السامي لا يضاهيه اي توقيع؟